يظهر داخل نفق طويل مرتديًا نظارته السوداء الشهيرة، التي تعلو تجاعيد وجهه الشاهدة على تاريخ طويل من الفن والنضال، يوجه رسالة إلى الفنان أحمد مكي بصوت جهور "اعمل الصح".. هكذا ارتبطت صورته في أذهان الأجيال الصاعدة، التي لم تشهد فترات تألقه.
مسيرة طويلة امتدت لأكثر من 46 عامًا، قضاها بين استديوهات السينما المصرية والعربية، عرف خلالها بـ"الشيطان خفيف الظل"، و"الشرير" أمام عدسة الكاميرات، "الطيب" في حياته الطبيعية، رغم القسوة التي عاش فيها خلال فترة طفولته، فهو "الطفل الفلسطيني" الذي شاب في مخيم البداوي الواقع شمال لبنان.
عرفات داود حسن المطري، الشهير بـ"غسان مطر"، المولود في 8 ديسمبر عام 1938، المتنقل في حياته ما بين مصر ولبنان، ليمتعنا بأعماله الفنية التي بلغت أكثر من 100 عام.
في لبنان، اغترفت الثورة من مخزون البشر الفلسطيني، واستوعبت الشباب والمهارات والطموحات والذكرى، وكان غسان مطر من الطامحين إلى المشاركة من خلال الفن الذي أحب، فقد أغوته السينما ونجومها، وخصوصًا الذين يقدمون أدوار العنفوان.
بدأ في 1969 مثلما يريد، نجمًا في "كلنا فدائيون" و"الفلسطيني الثائر"، لكن ميدان السينما الشاسع، في معظمه، ليس للثورة ولا للسياسة.
وباعتباره فنًا، يقدم الغرام في كل حكاية؛ لم يكن لغسان نصيب من الأدوار الحالمة التي تتطلب دورًا يتبدّى فيه الممثل منقوعًا في الحب الرومانسي الذي لم يعكر صفوه شيء، ربما كان غسان يمتلك موهبة تساعده على تقديم هذه الأدوار، لكن صوته لا يساعد، ولا في وسعه تسبيل عينيه مغازلًا، وثمّة خطوط في وجهه تنم عن شقاء.
عمل في أفلام تعبر عن الكفاح الفلسطيني، وتولى منصب نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب، ولم يتوقف إبداعه عند التمثيل بل امتد ليشمل التأليف أيضًا حيث قدم فيلمه الأول الفلسطيني الثائر عام 1996.
شارك "الكوتش" في معظم مسرحيات الفنان سمير غانم، وبدأ معه من خلال مسرحية "بهلول في إسطنبول"، ولم يتوقف به الطريق عند مرحلة معينة، فقد ظهر بقوة خلال العقد الأخير، وشارك في العديد من الأفلام صاحبة الأبطال الشباب، من بينها "لخمة راس" مع أحمد رزق، وأشرف عبدالباقي، و"عيال حبيبة" مع حمادة هلال وغادة عادل، و"أمير البحار" مع محمد هنيدي، إلى جانب العديد من المسلسلات من بينها "الفرسان"، و"الزوجة الرابعة".
توفي "إمبراطور الشر"، اليوم، عقب صراع مع المرض، وتردد العديد من الأنباء خلال الـ10 أيام الماضية حول وفاته، ليحرمنا من لقطاته المميزة، التي ستظل راسخة في العقول.
