حصلت «الوطن» على الحيثيات الكاملة للحكم الصادر مؤخراً من المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، نائب رئيس المحكمة، لمصلحة 11 عضواً من أعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة، والقاضى بعدم الاعتداد بحكم محكمة النقض الصادر لصالح 4 من قضاة من محاكم الاستئناف، بإلزام المستشار عدلى منصور، رئيس «الدستورية»، بالكشف عن رواتب أعضائها، والإفصاح عن كل ما يتقاضونه من أموال، فضلاً عن المزايا التى يحصلون عليها لإجراء تسوية مالية بينهم وبين أقرانهم من قضاة «الاستئناف».
وأوردت «الدستورية» فى حيثيات حكمها ما قدمه قضاة هيئة مفوضى المحكمة من أسانيد لعدم الاعتداد بحكم «النقض»، وتشمل هذه الأسانيد الاحتكام إلى نص المادة 24 من قانون «الدستورية»، التى تشترط توافر شرط المصلحة فى إقامة الدعوى، حيث ينص القانون على أن أى منازعات مالية متعلقة بهيئة المفوضين تختص بنظرها «الدستورية» وحدها، باعتبار أن «النقض» لا يمكن سريانه على أعضاء «الدستورية» لصدوره من جهة قضائية لا ولاية لها على المحكمة وأعضائها، خصوصاً أن الدستور الجديد أعطى الولاية فى الفصل لـ«الدستورية»، وبالتالى لا يمكن الأخذ فى الاعتبار أن حكم النقض بطبيعته حكم نهائى بات لأنه خرج عن الولاية القضائية للمحكمة.
وأشار حكم «الدستورية» إلى ما قدمه أعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة لإثبات عدم ولاية «النقض» على أعضاء «الدستورية»، بوجود نص كامل وخاص بالمحكمة الدستورية فى باب خاص بالدستور المعمول به حالياً، حيث أناط المشرع بالمحكمة وحدها الفصل فيما قد يثار فى تنازع الاختصاص بين أكثر من جهة قضائية وكذلك ما قد يقع من تعارض بين حكمين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين، ما يظهر استقلال المحكمة الدستورية عن كل الجهات القضائية الأخرى. وتطرقت الحيثيات إلى الدفع المقدم من قضاة المفوضين باستقلالية «الدستورية» عن باقى الهيئات استناداً للمادة 185 من دستور 2014، التى تنص على أن لكل جهة أو هيئة قضائية موازنة مستقلة، ومع ذلك عاد المشرع الدستورى وشدد على استقلال المحكمة عن غيرها فى المادة 191 بالتأكيد على وجود ميزانية مستقلة لها وتدرج فى الموازنة العامة «رقماً واحداً» بعد مناقشتها فى مجلس النواب المقبل.
المادة 191 من دستور 2014 تنص على أن للمحكمة «ميزانية مستقلة».. تُدرج فى الموازنة العامة للدولة «رقماً واحداً»
ونوهت المحكمة بمذكرة المستشار مكرم السودانى، رئيس محكمة استئناف القاهرة، الصادر لمصلحته حكم «النقض» بتقديم مذكرة إلى المحكمة طالب فيها بعدم قبول دعوى أعضاء هيئة المفوضين نظراً لتقديمه من غير ذى صفة أو مصلحة، كما طالب بعدم اختصاص دائرة طلبات المحكمة الدستورية لنظر الدعوى وانعدام الخصومة لعدم إعلان باقى المدعى عليهم، وطلب إدخال جميع أعضاء «الدستورية» ومن لم يتم اختصامه من المفوضين بالمحكمة كطرف فى الدعوى مع التمسك بحقه فى التعويض لإساءة استخدام حق التقاضى من قبَل مقيمى الدعوى، وضرورة الفصل فى الطعن المقدم سابقاً لـ«الدستورية» المتعلق بتبعية التفتيش القضائى لوزير العدل دون مجلس القضاء الأعلى، مشدداً على طلبه بـ«رفض الدعوى». وقالت المحكمة إن «المستشار السودانى تقدم بمذكرتين يومى 16 و19 فبراير الماضى، يؤكد فى الأولى ما سبق أن أبداه فى مرافعته، ويقدم فى الثانية طلباً بإعادة فتح باب المرافعة فى الدعوى لإدخال باقى أعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة خصوماً فى الدعوى، إلا أن هذا الطلب قُدم بعد الميعاد».
وردت المحكمة على الدفع المقدم من «السودانى» بعدم اختصاص دائرة طلبات «الدستورية» بنظر الدعوى، قائلة إن «حكم النقض جاء فى مواجهة رئيس المحكمة الدستورية بصفته للكشف عن الرواتب والمزايا الممنوحة لأعضاء المحكمة، هو أمر من صميم اختصاص الدستورية على سبيل التفرد استناداً إلى نص المادة 192 من الدستور الجديد، وهى تنص على أن (تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، والفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها)، فضلاً عن تأكيد النص بما ورد بالمادة 16 من قانون المحكمة باختصاصها وحدها بالطلبات الخاصة بالمرتبات والمعاشات بالنسبة لأعضاء المحكمة أو المستحقين عنهم».
ولفتت المحكمة إلى أن «النصوص الدستورية السابقة تمنع مشاركة أى جهات قضائية أخرى فى شأن الاختصاص الحصرى للمحكمة الدستورية فى ولايتها على أعضائها بانتحال أى تكيف قانونى، أو التذرع بأى سند تشريعى للتحلل من نصوص الدستور الملزمة، كما أن اختصاص المحكمة يرجع إلى ولايتها العامة بالفصل فى شئون أعضائها وأعضاء هيئة المفوضين فيها لإقامة دعوى من أعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة للفصل فيها».
وحول الدفع بـ«انعدام الخصومة» لعدم إعلان باقى المدعين نظراً لأن الحكم لا يقبل التجزئة بين من صدر لمصلحتهم، قالت المحكمة إن «هذا الدفع مردود عليه بأن أحكام المحكمة الدستورية لها حجية مطلقة وهى ملزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة، كما جاء بالمادة 195 من الدستور الحالى». وبخصوص طلب رفض الدعوى نظراً لرفعها من «غير ذى صفة أو مصلحة»، قالت المحكمة إن «حكم النقض ألزم المستشار عدلى منصور بتقديم بيان رسمى عما يتقاضاه أعضاء هيئة المفوضين مقيمو الدعوى ما يعنى توافر المصلحة، كما أن أعضاء هيئة المفوضين فى المحكمة الدستورية يرغبون فى عدم التدخل فى شئونهم الوظيفية دون مقتضى بالإفصاح عن رواتبهم التى يمتنع الكشف عنها إلا بإجازة صريحة منهم أو بقرار من المحكمة الدستورية العليا فى الحالات التى تقدرها، أو بحكم من المحكمة فى أمر متعلق بمنازعة تخص شئون أعضائها، بالإضافة إلى أن لقضاة هيئة المفوضين مصلحة أدبية فى دعواهم، وهى عدم التعرض لأوضاعهم الوظيفية وما يتفرع منها من حقوق مالية دون سبب مشروع أو الاطلاع عليها بغير الوسائل المقررة قانوناً».
واعتبرت المحكمة أن «الطلب المقدم بإدخال جميع أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين كخصوم فى الدعوى مخالف لنصوص المواد 63 و66 و117 و123 و124 من قانون المرافعات لعدم جواز إدخال خصم جديد فى الدعوى إلا بعد إعلانه بصحيفة ولا يجوز إعلانه شفاهة»، وبالتالى تم رفض الطلب دون أن تورده المحكمة فى منطوق حكمها، فضلاً عن أن طلب إعادة الدعوى للمرافعة جاء دون جدوى، وبناء عليه تم رفض الطلب.
وشرحت «الدستورية» الفروق بين السلطات فى الدستور الجديد، والمزايا الممنوحة لأعضاء المحكمة، مشيرة إلى أن «المشرع الدستورى أفرد لها الباب الرابع من الفصل الخامس فى الدستور، وجاء فى نص المادة 195 منه أن (المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية بذاتها ولها موازنتها المستقلة تدرج كرقم واحد وتتولى الفصل فى المنازعات الخاصة بأعضائها، فضلا عن أن أحكامها تنشر فى الجريدة الرسمية والقرارات الصادرة منها ملزمة لكافة سلطات الدولة وتكون لها حجية مطلقة عليهم، وكل قول يخالف عدم استقلالية المحكمة الدستورية عن باقى الهيئات يعتبر مناقضاً لنصوص الدستور)».