يبدو أنه لا توجد نية حقيقية لدى الحكومة فى تنمية سيناء والعمل على إخراجها من النفق المظلم الذى استقرت فيه، ففى الوقت الذى يكتسب فيه الإرهاب مساحات على الأرض كل يوم تنسحب الدولة بأجهزتها من أرض الفيروز عن جهل وإهمال وتراخٍ غير مبرر فى وقت نخوض فيه حرباً شرسة ضد الإرهاب.
«الوطن» تدق ناقوس الخطر وتكشف بالتقارير والمستندات حجم الكارثة فى سيناء بعد أن كشف تقرير رسمى صادر عن الجهاز الوطنى لتنمية شبه جزيرة سيناء التابع لمجلس الوزراء بشأن نسب تنفيذ مشروعات الخطة الاستثمارية فى سيناء خلال الفترة من 1 يوليو 2014 وحتى 24 ديسمبر 2014 عن كارثة حقيقية، حيث بلغت نسب تنفيذ أكثر من وزارة وهيئة حكومية «صفر» خلال تلك الفترة، وأن نسب تنفيذ الخطة الاستثمارية لـ 9 وزارات كانت «صفر» خلال النصف الثانى من العام الماضى، فى حين لم يتجاوز نسب 50% من المستهدف تنفيذه سوى 3 وزارات فقط.
وأشار التقرير إلى أن وزارة الأوقاف التى من المفترض أن تكون فى طليعة المجتهدين فى سيناء لم تنفذ أياً من الخطط التى قدمتها بنفسها للجهاز، وللحكومة فى سيناء، خلال النصف الثانى من العام الماضى وبلغت نسب تنفيذها «صفر»، وغابت وزارة الشباب والرياضة، عن سيناء، رغم أنها من المفترض أن تكون أكثر الجهات عملاً مع شباب سيناء وتنظيماً لبرامج تنموية للشباب لجذبهم وسحبهم من أيدى الإرهاب، ولم تنفذ أياً من الأنشطة والبرامج الاستثمارية التى قدمتها فى خطتها.
الجهاز الوطنى للتنمية: 5 وزارات لم تحقق أى شىء من الخطة.. وتركت الشباب والأهالى تحت رحمة المتطرفين
ودخلت وزارة التضامن الاجتماعى فى قائمة الوزارات الغائبة عن العمل فى سيناء وكانت محصلة أنشطتها خلال النصف الأول العام الماضى «صفر» أيضاً.
ولم تنفذ وزارة التعليم العالى، التى بلغت ميزانيتها لتنمية سيناء خلال الستة أشهر 8 ملايين جنيه أى شىء، وانضمت وزارات البترول، والتموين، والقوى العاملة، والثقافة، والآثار، إلى قائمة الوزارات الغائبة عن سيناء.
ونفذت وزارات أخرى نسباً لا تُذكر من الخطط التى قدمتها فى الستة أشهر الماضية، فوزارة الزراعة مثلاً نفذت 4% فقط من المهام التى كان يجب أن تؤديها، أما وزارة التنمية المحلية فنفذت 1% فقط من دورها فى سيناء، ولم ينفذ مجلس الوزراء سوى 20% فقط من المستهدف تنفيذه فى سيناء خلال الفترة نفسها، ونفذت وزارة التربية والتعليم 15% فقط من المستهدف لها.
ونفذ الأزهر الشريف 50% من طموحاته فى سيناء بينما قامت وزارة الصناعة والتجارة بتنفيذ 81% من خطتها الاستثمارية وبلغت نسبة تنفيذ وزارة الإعلام 95%، ونفذت وزارة الصحة 77% من خطتها.
وتبدو الحكومة من تحليل بسيط للأرقام وكأنها تتآمر على سيناء وتقدمها على طبق من ذهب للإرهاب، فكل وزارات المواجهة لهذه الحرب لم تؤدِّ مطلقاً دورها، وكان من المفترض أن تكون وزارات الأوقاف والتعليم والثقافة والشباب والرياضة والتموين والتضامن هى وزارات الحرب التى تصطف لمواجهة الأزمة فى سيناء وتحاول خلق بيئة صالحة تقدم الدعم لأبناء سيناء، لكنها كلها للأسف كانت غائبة تماماً عن سيناء وبلغت نسبة حضورها ما بين الصفر للأغلبية و15% على أكثر تقدير.
سيناوى من قرية الشيبانية أثناء صنع شاى على الحطب
الناتج هزيل بالطبع مقارنة بالآمال المعلقة على الجهاز الوطنى لتنمية سيناء، بما يستوجب ضرورة توسيع اختصاصاته فى ظل الظروف القائمة، ولا نستطيع أن نتصور أننا بصدد مؤامرة تهدف إلى عدم إحداث التنمية فى سيناء، ولكن نتائج التنفيذ لا تزيد على 35٪ من المستهدف خلال العام الماضى حسب أرقام الجهاز، فى الوقت الذى تراجعت فيه إلى ما دون 20% فى النصف الأول من العام المالى الحالى فى كلتا الخطتين، وهى نسبة أقل مما نفذ فى العام 2012-2013م التى بلغت قيمتها 400 مليون جنيه فقط من أصل 1.2 مليار جنيه، اعتُمدت لمحافظتى شمال وجنوب سيناء، وهذا يعنى أن نسبة التنفيذ تصل 30% فقط، الغريب أن ما تم عرضه مؤخراً فى الاجتماع الأخير للجهاز الوطنى لتنمية سيناء كان حول الاعتداد بملكية أبناء سيناء لمنازل وعقارات، إضافة إلى تخصيص مساحات أراضٍ لإقامة محطة للبحوث الزراعية بمحافظة جنوب سيناء، وتخصيص أراضٍ لصالح شركات أو جهات حكومية وتعثر توزيع أراضى ترعة السلام بسبب التعديات فقط دون النظر لأية مشروعات عملاقة لتنمية شبه الجزيرة.
الخطير فى الأمر أن الاجتماعات الأخيرة للجهاز لم تطرح أى خطط مستقبلية، لأن الوزارات المعنية ومحافظتى شمال وجنوب سيناء لم تكن مستعدة لطرح أى خطط جديدة تتضمن مشروعات من المقرر تنفيذها العام المالى المقبل.
القوات المسلحة نفذت مشروعات بـ 1.6 مليار جنيه
تنمية سيناء كانت من قبل حلماً ومشروعاً قومياً، والآن أصبح هناك جهاز وطنى مهمته الإشراف والمتابعة وهو للأسف عاجز عن تنفيذ نقلة تنموية حقيقية فى شبة الجزيرة، ولا بد أن يكون له دور أكبر، ولا يصح أن تكون هناك مشروعات بهذا الحجم دون أن يكون هناك تصور بمحاور التنمية لتشمل مناطق مخططة قبل أن تعرض الشركات مشروعاتها.
الجهاز لم يقدم حتى الآن أى تصور بشأن المشروعات المطلوب تنفيذها على الأرض، إضافة إلى وضع رؤية مستقبلية لمشروعات لها دراسات جدوى فى مناطق محددة لا يوجد عليها أى خلافات، كما يقع على الجهاز أيضاً تسويق هذه المشروعات على المستثمرين حتى يمكن تحقيق طموحات أبناء سيناء بشأن التنمية على أرضها وتوفير فرص العمل لشباب الخريجين وتحقيق الاستغلال الأمثل للثروات التعدينية المتوفرة بوفرة فى سيناء، ومن الضرورى أن تكون هناك حزمة حوافز للاستثمار على أرض سيناء كحافز قوى ومشجع لإقامة مشروعات فى إطار خريطة تضم مشروعات محددة ولها دراسات جدوى، كما يجب أن يكون للجهاز دور فى الحصول على موافقة مجلس الوزراء لإقامة مشروعات محلية يمكن أن ينفذها شباب خريجون ورجال أعمال من سيناء وهى تتوقف على موافقات للجيش.
التنمية بعد الثورة تسير فى سيناء إلى الأسوأ، فرغم إعلان الدولة عن خطة جديدة للتنمية، ووجود مخصصات مالية للمشروعات الواردة فى المشروع القومى 2017، لتنفيذ مشروعات فى 17 قطاعاً بإجمالى 110 مليارات جنيه نصيب شمال سيناء منها 59 مليار جنيه، ويقع على القطاع الخاص 70٪ من تنفيذ هذه المشروعات، لم يكتمل منها أى شىء. فعلياً، يبدو أنه لا توجد إرادة حقيقة فى التنفيذ فى مختلف الوزارات، والجهة الوحيدة التى تعمل بشكل منتظم ودقيق هى القوات المسلحة، وهى تملك إرادة وفق مخططات مدروسة وتنفذ فور اتخاذ القرار، والحاجة ماسة إلى دخول الجيش وبقوة لتنفيذ المشروعات على أرض سيناء.
