ستائر مغلقة، على خشبة مسرح ضخم، يضم بين جدرانه مئات من الجماهير، يجلسون فى صمت، يتميزون بأناقة ملابسهم، جميعهم فى انتظار لحظة فتح الستار، الليلة هى الخميس الأول من الشهر، فيما يجلس آلاف غيرهم إلى جانب الراديو، فى المنازل وعلى المقاهى، هم أيضاً قيد الانتظار، مذيع الإذاعة يعلن عن اسم أغنية جديدة، قائلاً «الليلة نستقبل فيها من الفن نفحة من أعطر وأعز نفحاته، نفحة يسهم بها الفن فى بلدنا، فى إسعاد الملايين من أبناء شعبنا ومن أبناء الشعب العربى الممتد من المحيط إلى الخليج»، صوت تصفيق حاد يصاحبه صوت المذيع قائلاً «سيداتى وسادتى ينفرج الستار الآن عن كوكب الشرق أم كلثوم».
بدأت فاطمة إبراهيم الشهيرة بـ«أم كلثوم» الغناء منذ الصغر مع والدها، فى مسقط رأسها بمركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، حتى انتقلت إلى القاهرة عام 1922، كونت بعدها أول تخت موسيقى لها عام 1926، لكن نقطة الانطلاق الحقيقية لـ«أم كلثوم»، بدأت عندما تعرفت على الشاعر أحمد رامى والملحن محمد القصبجى، الذى لحن مونولوج «إن كنت أسامح وأنسى الأسية» عام 1928 الذى حقق لها شهرة كبيرة، لتشارك بصوتها فى فيلم «أولاد الذوات» عام 1932، ثم الالتحاق بالإذاعة المصرية عند إنشائها عام 1934، حتى تصبح أول فنانة دخلت الإذاعة المصرية.
لم تكن تجربة «أم كلثوم» مع السينما مثل الغناء، بدأت عام 1936 عندما ظهرت فى أول فيلم سينمائى لها بعنوان «وداد» قصة أحمد رامى قامت ببطولته وغنائه، جاءت بعده خمسة أفلام أخرى قدمت فيها العديد من الأغانى لكبار الملحنين كان آخرها فيلم «فاطمة» 1947، الذى يعد آخر ظهور لها على شاشات السينما، تفرغت بعده للغناء فقط.
«أم كلثوم» المولودة عام 1898، استطاعت أن تجمع بين قوة الكلمة وجمال اللحن، تعاونت خلال مشوارها الفنى مع العديد من الملحنين والشعراء، فيما كانت تجربة التعاون مع الملحن رياض السنباطى التى بدأت عام 1935، واحدة من أهم تجارب أم كلثوم الغنائية، التى ساهمت بصورة كبيرة فى حياة أم كلثوم الفنية، حتى استمرت ألحانه لأربعة عقود حتى عام 1973. تعد فترة الستينات من أبرز الفترات الفنية لـ«أم كلثوم»، غنت خلالها العديد من الأغنيات الناجحة والشهيرة، مثل «انت عمرى.. الأطلال.. من أجل عينيك عشقت الهوى»، فيما قامت بغناء العديد من الأغنيات الوطنية عقب نكسة 1967 من بينها أغنية «أصبح عندى الآن بندقية».
40 عاماً مرت على وفاة «أم كلثوم» عام 1975، ما زال صوتها يملأ جدران كل بيت مصرى وعربى، لم تكن سيدة الغناء العربى مجرد مطربة، بل تاريخ طويل، استطاع أن يسطر لنفسه مكاناً فى نفوس كل المحبين والعاشقين لفنها من المحيط إلى الخليج.
