بنك HSBC الخاص فى سويسرا، الدولة المشهورة بحيادها، كان قناة، أو ممراً اقتصادياً للمجرمين وأصحاب الأعمال الذين قاموا بتمويل بعض من أكثر الحروب دموية فى أفريقيا، وبعض من أكثر صفقات السلاح فساداً. بالنسبة لـ HSBC، لم يكن الرجال والنساء الذين يقفون وراء هذه الصراعات، أكثر من مجرد زبائن يدرون عليه ربحاً وفيراً.
وصل مجموع حسابات الأشخاص المتصلين بعمليات تهريب السلاح، وصفقات الأسلحة الفاسدة فى 7 دول أفريقية على الأقل، إلى أكثر من 56 مليون دولار بين عامى 2006 و2007. فيما اعترف بنك HSBC، أن فرع بنكه الخاص فى سويسرا، كان يفتقر من قبل إلى لوائح ومعايير الرقابة والمتابعة المطلوبين، وقال البنك فى خطاب موجه للاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، إن «فريق الإدارة فى سويسرا اليوم يختلف بدرجة كبيرة عما كان عليه الأمر فى الفترة التى تسبق عام 2011».
عام 2000، وبعد سلسلة من القروض المثيرة للجدل، تبنى بنك HSBC معايير صارمة ضد تمويل الأسلحة، وتنص السياسة الجديدة، التى ما زالت سارية، على أن البنك «لا يقدم أى خدمات مالية للتحويلات التى تهدف إلى شراء أسلحة كالمسدسات أو الصواريخ». إلا أن تلك السياسة لم تمنع البنك من إدارة حسابات عملاء متورطين فى عمليات تهريب السلاح والصراعات. واستمر HSBC فى ذلك حتى بعد الكشف عن تورطه من خلال التقارير الصحفية، والتحقيقات القضائية، وتقارير الأمم المتحدة.
وتضم لائحة عملاء HSBC مالك مصنع سجائر متهم بشحن وتوريد الأسلحة للمتمردين فى بوروندى خلال الحرب الأهلية فى بدايات عام 1990، وزوجة أحد رجال الأعمال الفرنسيين، كان زوجها يستخدم حسابها لتقديم رشاوى بالملايين للقيادات فى الجيش والحكومة الأنجولية للحصول على عقود صفقات للدبابات والألغام الأرضية خلال الحرب الأهلية فى البلاد.
وقدم HSBC أيضاً خدمات مالية لمهندس ليبى ذى صلة بالديكتاتور الليبى السابق معمر القذافى، وعمل مع أعضاء من المافيا الإيطالية منذ عام 2006 فى محاولة لتوريد 500 ألف مدفع كلاشينكوف صينى إلى ليبيا. وعلى الرغم من أن بعضاً من الحسابات المرتبطة بتجار السلاح كما يفترض، قد تم إغلاقها، فإن البعض الآخر ما زال نشطاً فى بنك HSBC.
ولم يستجب أى ممن وردت أسماؤهم فى الحسابات السابقة لطلبات التعليق التى قدمها الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين.
وتقول «كاثى أوستين»، الخبيرة فى مجال تهريب الأسلحة، إن «هذا النوع من السماسرة أو التجار، يستخدمون غطاءً من الأعمال المشروعة لخرق العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة وقوانين الدول الأخرى». وكانت أبرز القضايا التى عجز فيها HSBC عن وقف التعامل مع أحد المتهمين بتهريب السلاح، هى قضية السورى الذى يحمل الجنسية الإيطالية، «أحمد فوزى حاج»، صاحب شركة «كاتيكس» للمناجم فى غينيا، وهى الشركة التى واجهت اتهامات بإذكاء نيران الحرب الأهلية فى ليبيريا، التى أدت لقتل مئات المدنيين وإصابة الآلاف. عام 2005، قرر البنك إغلاق الحساب دون تحديد أسباب، إلا أن الوثائق التى حصل عليها الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، تظهر أن علاقة «حاج» بالبنك، قد استمرت حتى سبتمبر 2006.
ولد «أحمد فوزى حاج» فى بلدة «قاميشلو» السورية على الحدود مع تركيا، وهاجر إلى إيطاليا، حيث امتلك مع زوجته، 7 منازل وفيلات، وفندقاً فى مونت كارلو، ومطعماً فى 2006 وفقاً للمحققين الإيطاليين. أما شركة «كاتيكس» للمناجم فى غينيا، والتى لا يبدو أنها تدير أى مناجم فى البلاد، فتأسست عام 1998، وقامت باستيراد معدات صناعية ومنتجات زراعية إلى غينيا.
لكن عام 2004، فتحت السلطات فى مونت كارلو تحقيقاً حول «حاج» بسبب اتهامات بغسيل الأموال، ولم تتم معرفة نتائج التحقيقات التى جرت فى فترة، كان «حاج» فيها عميلاً لبنك HSBC.
(تم إنجاز هذا التحقيق بواسطة الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين)